سورة الزمر - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الزمر)


        


{أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ (24) كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (25) فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (26)}
قوله تعالى: {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ} قال عطاء وابن زيد: يرمى به مكتوفا في النار فأول شيء تمس منه النار وجهه.
وقال مجاهد: يجر على وجهه في النار.
وقال مقاتل: هو أن الكافر يرمى به في النار مغلولة يداه إلى عنقه، وفي عنقه صخرة عظيمة كالجبل العظيم من الكبريت، فتشتعل النار في الحجر وهو معلق في عنقه، فحرها ووهجها على وجهه، لا يطيق دفعها عن وجهه من أجل الأغلال. والخبر محذوف. قال الأخفش: أي {أَفَمَنْ يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوءَ الْعَذابِ} أفضل أم من سعد، مثل: {أَفَمَنْ يُلْقى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيامَةِ} [فصلت: 40]. {وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ} أي وتقول الخزنة للكافرين {ذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} أي جزاء كسبكم من المعاصي. ومثله {هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} [التوبة: 35]. قوله تعالى: {كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ فَأَذاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا} تقدم معناه.
وقال المبرد: يقال لكل ما نال الجارحة من شيء قد ذاقته، أي وصل إليها كما تصل الحلاوة والمرارة إلى الذائق لهما. قال: والخزي من المكروه والخزاية من الاستحياء {وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ} أي مما أصابهم في الدنيا {لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ}.


{وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (27) قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (28)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ ضَرَبْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ} أي من كل مثل يحتاجون إليه، مثل قوله تعالى: {ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وقيل: أي ما ذكرنا من إهلاك الأمم السالفة مثل لهؤلاء. {لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} يتعظون. {قُرْآناً عَرَبِيًّا} نصب على الحال. قال الأخفش: لأن قوله جل وعز: {فِي هذَا الْقُرْآنِ} معرفة.
وقال علي بن سليمان: {عَرَبِيًّا} نصب على الحال و{قُرْآناً} توطئة للحال كما تقول مررت بزيد رجلا صالحا فقولك صالحا هو المنصوب على الحال.
وقال الزجاج: {عَرَبِيًّا} منصوب على الحال و{قُرْآناً} توكيد. {غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} النحاس: أحسن ما قيل فيه قول الضحاك، قال: غير مختلف. وهو قول ابن عباس، ذكره الثعلبي. وعن ابن عباس أيضا غير مخلوق، ذكره المهدوي وقاله السدي فيما ذكره الثعلبي.
وقال عثمان بن عفان: غير متضاد.
وقال مجاهد: غير ذي لبس. قال:
وقد أتاك يقين غير ذي عوج *** ومن الإله وقول غير مكذوب
{لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} الكفر والكذب.


{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (29)}
قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ} قال الكسائي: نصب {رَجُلًا} لأنه ترجمة للمثل وتفسير له، وإن شئت نصبته بنزع الخافض، مجازه: ضرب الله مثلا برجل {فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ} قال الفراء: أي مختلفون.
وقال المبرد: أي متعاسرون من شكس يشكس شكسا بوزن قفل فهو شكس مثل عسر يعسر عسرا فهو عسر، يقال: رجل شكس وشرس وضرس وضبس. ويقال: رجل ضبس وضبيس أي شرس عسر شكس، قاله الجوهري. الزمخشري: والتشاكس والتشاخس الاختلاف. يقال: تشاكست أحواله وتشاخست أسنانه. ويقال: شاكسني فلان أي ماكسني وشاحني في حقي. قال الجوهري: رجل شكس بالتسكين أي صعب الخلق. قال الراجز:
شكس عبوس عنبس عذور وقوم شكس مثال رجل صدق وقوم صدق. وقد شكس بالكسر شكاسة.
وحكى الفراء: رجل شكس. وهو القياس، وهذا مثل من عبد آلهة كثيرة. {وَرَجُلًا سَلَماً لِرَجُلٍ} أي خالصا لسيد واحد، وهو مثل من يعبد الله وحده. {هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا} هذا الذي يخدم جماعة شركاء أخلاقهم مختلفة ونياتهم متباينة، لا يلقاه رجل إلا جره واستخدمه، فهو يلقى منهم العناء والنصب والتعب العظيم، وهو مع ذلك كله لا يرضي واحدا منهم بخدمته لكثرة الحقوق في رقبته، والذي يخدم واحدا لا ينازعه فيه أحد، إذا أطاعه وحده عرف ذلك له، وإن أخطأ صفح عن خطأه، فأيهما أقل تعبا أو على هدى مستقيم. وقرأ أهل الكوفة واهل المدينة: {ورجلا سالما} وقرأ ابن عباس ومجاهد والحسن وعاصم الجحدري وأبو عمرو وابن كثير ويعقوب: {ورجلا سالما} واختاره أبو عبيد لصحة التفسير فيه. قال: لأن السالم الخالص ضد المشترك، والسلم ضد الحرب ولا موضع للحرب هنا. النحاس: وهذا الاحتجاج لا يلزم، لأن الحرف إذا كان له معنيان لم يحمل إلا على أولاهما، فهذا وإن كان السلم ضد الحرب فله موضع آخر، كما يقال لك في هذا المنزل شركاء فصار سلما لك. ويلزمه أيضا في سالم ما ألزم غيره، لأنه يقال شيء سالم أي لا عاهة به. والقراءتان حسنتان قرأ بهما الأئمة. واختار أبو حاتم قراءة أهل المدينة {سلما} قال وهذا الذي لا تنازع فيه. وقرأ سعيد بن جبير وعكرمة وأبو العالية ونصر {سلما} بكسر السين وسكون اللام. وسلما وسلما مصدران، والتقدير: ورجلا ذا سلم فحذف المضاف و{مَثَلًا} صفة على التمييز، والمعنى هل تستوي صفاتهما وحالاهما. وإنما اقتصر في التمييز على الواحد لبيان الجنس. {الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} الحق فيتبعونه.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8